في عالمنا المتغير بوتيرة متسارعة، برز الكوتشينج Coaching كأداة فعالة للتنمية الشخصية والمهنية. ولكن، ما هو الكوتش Coach تحديدًا؟ بخلاف بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة، الكوتش ليس معالجًا نفسيًا ولا موجّهًا (مرشدًا). بل هو شريك مهني يسير جنبًا إلى جنب مع الشخص المُتَدرَّب Coachee ويُمكّنه من إطلاق طاقاته الكامنة وتحمّل مسؤولية رحلته الذاتية.
شراكة حقيقية
في جوهر الكوتشينج تكمن علاقة متوازنة ومبنية على الاحترام المتبادل. فالكوتش والمُتَدرَّب في موقع متكافئ، لا تفوق لأحد على الآخر. وتقوم العملية التدريبية على التعاون لا التوجيه، حيث لا يُقدّم الكوتش حلولًا جاهزة ولا يدّعي الخبرة المُطلقة، بل يدعم المُتَدرَّب في اكتشاف الحلول بنفسه، ورسم مساره الخاص نحو المستقبل.
يستمع الكوتش بإنصات، ويطرح أسئلة مؤثرة، ويوفّر مساحة آمنة للتأمل والنمو. وتهدف هذه الرحلة المشتركة إلى تمكين المُتَدرَّب من الوصول إلى الوضوح، وتحديد أهداف ذات معنى، واتخاذ خطوات فعلية نحو مستقبل مُرضٍ ومُلهم.
ممارسة مهنية وأخلاقية
الكوتشينج هو ممارسة مهنية قائمة بذاتها، تحكمها معايير أخلاقية واضحة، وغالبًا ما تستند إلى اعتمادات مهنية مثل تلك التي تصدر عن الاتحاد الدولي للكوتشينج ICF والالتزام بهذه المعايير يضمن احترام السرية، والحفاظ على استقلالية العميل، والسعي المستمر نحو التطوير المهني.
التمييز بين الكوتشينج والعلاج النفسي والتوجيه (Coaching , Therapy and Mentoring)
من الضروري التمييز بين الكوتشينج وغيره من الممارسات المهنية:
• العلاج النفسي يركّز على شفاء الصدمات الماضية ومعالجة القضايا العاطفية أو النفسية. وهو ممارسة علاجية تهدف إلى استعادة التوازن والصحة النفسية.
• التوجيه (الإرشاد) يقوم على علاقة بين شخص أكثر خبرة وآخر أقل خبرة، حيث يقدم الأول النصح ويوجه الثاني من خلال مشاركة خبراته. وهذه العلاقة بطبيعتها توجيهية.
• الكوتشينج، على النقيض، يُركّز على المستقبل. لا يتعامل مع القضايا النفسية غير المحلولة، ولا يقدّم نصائح مباشرة، بل يساعد الأفراد على توضيح أهدافهم، واستكشاف خياراتهم، واتخاذ قرارات ذات معنى، مع البقاء في اللحظة الراهنة.
التمكين من خلال الحوار
تتمثل قوة الكوتشينج في طبيعته غير التوجيهية. فالكوتش لا يخبر المُتَدرَّب بما يجب عليه فعله، بل يطرح أسئلة تحفّز التفكير العميق. وهذا يُمكّن المُتَدرَّب من اتخاذ قراراته بنفسه، وفقًا لقيمه وقناعاته، ويمنحه الثقة للمضي قدمًا بوضوح وهدف.
الخلاصة
الكوتش ليس مجرد دليل، بل هو محفّز للنمو والتحول. من خلال بناء علاقة شراكة قائمة على التكافؤ والاحترام، يساعد الكوتش الأفراد على الوصول إلى حكمتهم الذاتية، والعيش بوعي، وتحقيق تحول مستدام. سواء في الحياة الشخصية، أو القيادة، أو التطور المهني، فإن الكوتشينج هو رحلة نحو التمكين والوعي والتقدم.
في عالم مليء بالضوضاء والحلول السريعة، يمنحك الكوتشينج شيئًا نادرًا وثمينًا: مساحة للتفكير، والنمو، والتحوّل.
...